سورة الأعراف - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (25)} [الأعراف: 7/ 19- 25].
يراد بهذه القصة إرشاد الناس إلى طرق الهداية، وتحذيرهم من وساوس الشّياطين، فإن الشيطان بسبب حسده لآدم وحواء، سعى في إخراجهما من الجنّة بمكره وخديعته، ليسلبهما ما هما فيه من النعمة. قال الحسن البصري: كان يوسوس من الأرض إلى السماء، وإلى الجنّة بالقوة الفوقية التي جعلها اللّه تعالى فيه.
والمعنى: أباح اللّه تعالى لآدم وحواء سكنى الجنة والأكل من جميع ثمارها إلا من شجرة واحدة. والجنّة هي جنّة الخلد، والشجرة: نوع معين لم تعرف في القرآن، والنّهي عن الأكل من الشجرة لحكمة معينة هي اختبار الإنسان ومعرفة مدى امتثال التكليف الإلهي، فإنهما إن أكلا من تلك الشجرة، كانا من الظالمين لأنفسهما.
فحسدهما الشيطان، وسعى في خديعة آدم وحواء، ليسلبهما نعمة السكنى في الجنّة، فوسوس لهما لتصير عاقبة أمرهما إبداء ما ستر من عورتهما، وقال لهما: ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلا لئلا تكونا ملكين، أو تكونا خالدين في الجنّة. وأقسم لهما قسما مغلّظا شديدا: إني لكما لمن الناصحين المخلصين. ثم تابع في خداعهما بالترغيب في الأكل، وبالوعد وبالقسم، حتى نسيا أمر اللّه إليهما وإخباره أن الشيطان عدوّ لهما، ثم تمكّن من إسقاطهما عما لهما من المنزلة عند اللّه، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115)} [طه: 20/ 115]. وقوله تعالى: {فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ} معناه: فنزّلهما إلى الأكل من الشجرة، بما غرّهما به من القسم بالله، أي غرّهما بقوله وخدعهما بمكره.
فلما ذاقا ثمرة الشجرة، ظهرت عوراتهما، وزال عنهما النور، وشرعا يستران العورة بورق أشجار الجنة العريض. وعاتبهما ربّهما موبّخا: ألم أمنعكما من الاقتراب من هذه الشجرة، والأكل منها، وأقل لكما: إن الشيطان ظاهر العداوة لكما، فإن أطعتماه أخرجكما من دار النّعيم وهي الجنّة إلى دار الدنيا وهي دار الشقاء والتعب في الحياة، فاحذروا الشيطان كما ورد في آية أخرى: {فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117)} [طه: 20/ 117].
قال آدم وزوجته: ربّنا ظلمنا أنفسنا بمخالفتك وطاعة الشيطان، عدوّنا وعدوّك، وإن لم تستر ذنبنا وترض عنا وتقبل توبتنا، لنكونن من الذين خسروا الدنيا والآخرة، قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} [البقرة: 2/ 37].
ثم أمر اللّه آدم وحواء بالهبوط أو النزول من الجنة، في حال من التّعادي، يعادي بعض الذّرية بعضا في الدنيا، ويستقرّون فيها إلى أجل مسمى عند اللّه، ويكون لهم فيها تمتّع إلى أجل محدود، وفي الأرض يحيون ويموتون، ثم يخرجون منها إلى دار البعث والجزاء بعد الموت حسبما يريد اللّه تعالى، وقد وصف ذلك في آية أخرى: {مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى} [طه: 20/ 55].
ويظل الحذر من الشيطان واجب الإنسان لينجو من وساوسه وغوائله، ويستقيم في حياته ويسعد في الدنيا والآخرة.
روي أن آدم عليه السّلام أهبط بالهند، وحواء بجدّة، وتمنّاها بمنى، وعرف حقيقة أمرها بعرفة، ولقيها بجمع، وأهبط إبليس بميسان.
أهمية اللباس:
اللباس للإنسان مظهر تحضر وتمدن وعنوان احترام للآخرين، أما العري وإظهار الأعضاء فهو مظهر من مظاهر البدائية والتخلف، يتفق مع حالة الإنسان البدائي وطريقة عيشه في الصحاري والوديان، لذا امتن اللّه تعالى بإنعامه على البشرية، إذ أوجد لهم أنواع الألبسة لستر العورات والعيوب، ومختلف الرياش والأصواف للتنعم والراحة، وحذر القرآن من فتنة الشيطان ووساوسه التي هي سبب من أسباب نزع اللباس وإزالة النعمة، فقال اللّه تعالى:


{يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27)} [الأعراف: 7/ 26- 27].
ابتدئت الآيات بقوله تعالى: {يا بَنِي آدَمَ} وهو خطاب لجميع الأمم وقت النبي عليه الصلاة والسلام، والمراد بهذا الخطاب: قريش ومن كان من العرب يتعرى في طوافه بالبيت، وهذه الآية امتنان من اللّه تعالى على عباده بما جعل لهم من اللباس الساتر للعورات، والريش: وهو ما يتجمل به من الثياب أو المعيشة. إن نعمة اللباس والثياب والاستمتاع بالزينة والجمال، واتقاء الحر والبرد من أجلّ النعم على البشرية، وإنزال اللباس: معناه الخلق والإيجاد للخليقة، وهذا من فضل اللّه على عباده إذ حماهم بإيجاد الألبسة والأمتعة من السوء والتعرض للمتاعب والمخاطر، وهذا من ضرورات المعيشة والرخاء في الدنيا.
إلا أن اللّه تعالى فضّل اللباس المعنوي وهو التقوى: أي الإيمان والعمل الصالح على اللباس المادي لأن أثره خالد، وحافظ للقيم والأخلاق التي تسعد المجتمع وتنشر الأمن والرخاء والاطمئنان، وتكفل الاستقرار ودوام الحياة الكريمة.
إن خلق اللباس والريش وهما عبارة عن سعة الرزق ورفاهة العيش والتمتع بالحياة من آيات اللّه الدالة على قدرته وفضله وإنعامه ورحمته بعباده، وإن هذه النعم تؤهل البشر لتذكّر فضل اللّه عليهم، وتحملهم على الشكر وتقدير المنعم، والبعد عن فتنة الشيطان (محاولة الإيقاع في البلاء) وإبداء العورات.
والوفاء للمنعم وشكره نتيجة طبيعية لكل معروف وصاحبه، فمن قدم جميلا لغيره استحق الشكر وتقدير المعروف، لذا ذكّر اللّه تعالى المؤمنين بما هو خير لهم: وهو ألا يغفلوا عن أنفسهم، ولا يصرفنهم الشيطان عن وصايا اللّه وشرعه ودينه. وفتنة الشيطان: الاستهواء والغلبة على النفس. والمعنى في قوله تعالى: {لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ} نهيهم أنفسهم عن الاستماع للشيطان وإطاعة أمره، فإن للشيطان فتنة ومحاولة لإغراء الناس، كما فتن أبوينا آدم وحواء بالإخراج من الجنة، فإن وسوسته أدت بسبب مخالفتهما أمر اللّه إلى التسبب في الطرد من الجنة، ونزع اللباس عن عوراتهما، وهو ورق الجنة، وإظهار سوءاتهما أي عوراتهما. وزيادة في التحذير والاعلام بأن اللّه عز وجل قد مكّن الشيطان من ابن آدم، أخبرنا اللّه سبحانه بأن الشيطان يرى المؤمنين هو وجماعته، وهم لا يرونه، فيجب التخلص من وساوسه بكثرة الطاعة والقناعة برزق اللّه وفضله، علما بأن للشيطان أعوانا وأنصارا، والشياطين هم أعوان الكفار الذين لا يؤمنون بالله تعالى إيمانا حقا تزكو به نفوسهم، وتصلح به أعمالهم، بسبب استعدادهم لقبول وسواس الشيطان، كاستعداد ضعفاء الأجسام لاستقبال الأمراض الفتاكة بسرعة كبيرة وتورط شديد.
هذه الآية تنبيه لنا بأن الشيطان عدو الإنسان، فيجب التنبه لمخاطره وتذكر عهد اللّه وميثاقه بأن نعبده وحده لا شريك له، ونزكي النفس بالأخلاق الكريمة والآداب الحميدة، وتهذيب الطباع، لنحقق السعادة الأبدية في الآخرة، ونؤدي الرسالة في هذه الحياة على الوجه الأكمل.
تقليد الآباء وتشريع اللّه:
ليس التشريع العام للمجتمع أمرا سهلا لأن به قوام المجتمعات وحياة الأمم والشعوب، فإذا كان التشريع سديدا صالحا، صلحت الجماعة وإذا كان التشريع هشا بدائيا، فسدت الجماعة وانحدرت. لذا كان مصدر التشريع في الإسلام هو اللّه عز وجل، من أجل إسعاد الفرد والجماعة، أما عرب الجاهلية المشركون فكانوا يعتمدون في تشريعاتهم وتنظيماتهم على تقليد الآباء والأجداد، وتوارث الأنظمة دون تجديد ولا تصحيح ولا إدراك للخطأ.
ونجد في القرآن الكريم بيانا للفرق بين تشريع الجاهلية وتشريع الإسلام، قال اللّه تعالى:


{وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)} [الأعراف: 7/ 28- 30].
وبّخ اللّه تعالى المشركين على ارتكابهم الفاحشة: وهي الفعلة المتناهية في القبح، والمراد بها طوافهم حول البيت الحرام عرايا رجالا ونساء، وملازمتهم لعقيدة الشرك والوثنية. وإذا عوتبوا في ذلك قالوا: نحن في هذا مقلدون للآباء، متبعون للأسلاف، وتوهموا أن ما يفعلونه طاعات، وأن اللّه أمرهم بها، مع أن تلك الأمور فواحش.
وهذا أبطل الباطلات، وقل لهم أيها النبي: إن اللّه لا يأمر بالفحشاء أصلا، وإنما الذي يأمركم بذلك هو الشيطان.
وأما تقليد الآباء والأجداد فهو عمل ظاهر الفساد لأن لكل إنسان عقلا ووعيا يميز بين الصحيح والخطأ، والهدى والضلال، وليس الآباء حجة في التشريع، ولا طريقهم أو منهجهم بمنأى عن الخطأ، والتقليد في الأوضاع الفاسدة إلغاء للذات الإنسانية، وإهدار للفكر والعقل البشري الذي منحه اللّه تعالى للإنسان ليميز به بين الخطأ والصواب.
وإذا أخطأ العقل، وجد في الهداية الإلهية أو الوحي الرباني عاصما عن الخطأ، ومرشدا إلى الصواب، وموجها إلى الحق والحقيقة.
فإن اللّه لا يأمر إلا بالعدل والاستقامة والتوسط في الأمور، ومن أوامره: إيفاء العبادة حقها، والتوجه بكامل القلب وصحة القصد إلى اللّه وحده دون غيره عند كل صلاة، وأداء العبادة في وقتها، والإخلاص لله في العبادة من غير مراءاة ولا سمعة، ولا إشراك أحد مع اللّه، فإنه سبحانه وتعالى لا يتقبل عملا من الأعمال إلا إذا توافر فيه ركنان:
الركن الأول: أن يكون صوابا موافقا للشريعة، والركن الثاني: أن يكون خالصا من الشرك بإدخال أحد من المخلوقات البشرية أو السماوية أو الأصنام شريكا في قصد العبادة والتعظيم. إن إخلاص الدين لله تعالى هو جوهر العبادة، لأن مصائر الخلائق جميعا إلى اللّه تعالى، كما أنشأ هذه المخلوقات من العدم ابتداء يعيدها مرة أخرى، فيجازي كل إنسان على عمله، وهذا في ميزان العقل والمصلحة يتطلب إخلاص العبادة لله.
وعند العودة إلى اللّه وحال البعث والحساب الناس فريقان: فريق هداه اللّه ووفقه للعبادة والإيمان والإخلاص، وهم المؤمنون المسلمون الخاضعون المنقادون لله وأوامره، وفريق الضلالة الذين استوجبوا العذاب بسوء صنيعهم واختيارهم، واتباعهم وسواس الشيطان، إن هذا الفريق هم الذين اتخذوا الشياطين أنصارا وأعوانا من دون اللّه، فقبلوا ما دعوهم إليه، ولم يميزوا بين الحق والباطل، ويظنون أنهم سائرون على درب الهداية والصواب، مع أنهم هم الأخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وهذا من فساد الرأي وسوء الفكر وضعف العقل، فإن الحق أحق أن يتبع، وإن من الحماقة والبلاهة أن يخطئ الإنسان ويزعم أنه على حق وسداد وهدى.
إباحة الزّينة والطّيّبات:
إن الإسلام دين الوسطية والواقعية والاعتدال، فلا يمنع النافع الموافق للطباع السليمة، والملائم للأعراف الصحيحة، والمنسجم مع مقتضيات الصحة والقوة، والمدنية والحضارة. وإنما الذي يمنعه الإسلام هو الضّار أو الشيء القبيح الذي يؤذي النفوس، ويناقض المصلحة، ويسيء إلى الفرد والجماعة. وهذا هو منهاج القرآن الكريم الذي يبيح الزّينة وهي الثياب الساترة، والمطعومات والمشروبات النافعة. قال اللّه تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8